فصل: (مَسْأَلَةٌ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(مَسْأَلَةٌ):

عَشْرَةُ أَشْيَاءَ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِيهِ وَالظِّهَارُ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَجَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ؛ لِأَنَّهُ زَالَ عَقْلُهُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُعْتَبَرُ زَوَالُهُ زَجْرًا لَهُ، وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِالْقَذْفِ وَالْقَوَدُ بِالْقَتْلِ وَلِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالشَّرَائِعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} وَاخْتَارَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ قُلْنَا زَالَ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَجُعِلَ بَاقِيًا حُكْمًا زَجْرًا لَهُ وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مِنْ الْإِنْسَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ اسْقِنِي فَسَبَقَ لِسَانُهُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ، وَكَذَا الْعَتَاقُ فِي الصَّحِيحِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ اسْقِنِي فَقَالَ أَنْتَ حُرٌّ لَا يُعْتَقُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهِمَا.
قَوْلُهُ (وَيَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا قَالَ نَوَيْتُ بِهِ الطَّلَاقَ) يَعْنِي الْمُكْرَهَ وَالسَّكْرَانَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ وَالسُّكْرَ لَا يُؤَثِّرَانِ فِي الطَّلَاقِ فَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا لِذَلِكَ فَقَدْ أَكَّدَهُ فَوَقَعَ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الشَّيْخَ تَرَجَّحَ قَوْلُهُمَا عِنْدَهُ فَإِذَا أَفَاقَ السَّكْرَانُ وَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ صُدِّقَ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا إنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ مِنْ السَّكْرَانِ مِنْ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ يُوقِعُ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا قَالَ نَوَيْتُ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكِنَايَاتِ إذَا قَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ، وَهُوَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَاتِ هِيَ الَّتِي تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكِتَابِ فَإِنْ كَانَ كَذَا فَالْمُرَادُ بِهِ إذَا كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ كِتَابًا مُسْتَبِينًا عَلَى لَوْحٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ رَمْلٍ أَوْ وَرِقِ الْأَشْجَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَبِينٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَقَعُ وَقِيلَ الْمُسْتَبِينُ كَالصَّرِيحِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَبِينُ بِأَنْ كَتَبَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى الْمَاءِ أَوْ عَلَى الْحَدِيدِ أَوْ عَلَى صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَا يَقَعُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا كَتَبَ عَلَى وَجْهِ الْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْخِطَابِ مِثْلَ أَنْ يَكْتُبَ يَا فُلَانَةُ إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِوُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهَا وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ.
قَوْلُهُ (وَيَقَعُ طَلَاقُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ يُعْرَفُ بِهَا كَلَامُهُ وَقَعَ وَإِنْ كَانَتْ لَا يُعْرَفُ بِهَا كَلَامُهُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بَقَاءَ نِكَاحِهِ وَشَكَكْنَا فِي زَوَالِهِ وَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ ثُمَّ طَلَاقُهُ الْمَفْهُومُ بِالْإِشَارَةِ إذَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ فَهُوَ رَجْعِيٌّ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ) فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ عِنْدَنَا ثُمَّ إذَا طَلُقَتْ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ ثُمَّ إذَا تَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ " إنْ " لَا تُوجِبُ التَّكْرَارَ وَأَمَّا كُلٌّ فَإِنَّهَا تُكَرِّرُ الْأَسْمَاءَ وَلَا تُكَرِّرُ الْأَفْعَالَ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى طَلُقَتْ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ إنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا كَانَ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَهِيَ غَيْرُ مُطَلَّقَةٍ بِالثَّلَاثِ أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَطْلُقْ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فَإِنْ عَنَى بِقَوْلِهِ كُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ يَمِينٌ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى شَرْطٍ وَقَعَ عَقِيبَ الشَّرْطِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ صَارَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَرْأَةُ فِي مِلْكِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَانَتْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ تَطْلُقْ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَصِيرُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ لَهَا وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَاصِلُهُ إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّقَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالْجَوَابِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ إذَا قَالَ الصَّحِيحُ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ جُنَّ فَدَخَلَتْ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَإِنْ كَانَ لَوْ ابْتَدَأَهُ لَمْ يَقَعْ قُلْنَا إنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْوُقُوعَ حُكْمًا وَالْمَجْنُونُ إنَّمَا يَقَعُ طَلَاقُهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِنِّينَ إذَا أُجِّلَ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَقَدْ جُنَّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا فِي الصَّحِيحِ وَلَوْ قَالَ الْمَجْنُونُ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَمْ تَطْلُقْ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ الصَّحِيحُ فَدَخَلَتْ وَهُوَ مَجْنُونٌ طَلُقَتْ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُون الْحَالِفُ مَالِكًا أَوْ يُضِيفَهُ إلَى مِلْكٍ) فَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ فِي نِكَاحٍ وَلَا أَضَافَهُ إلَى نِكَاحٍ قَوْلُهُ (وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا وَكُلٌّ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا) إنَّمَا قَالَ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقُلْ وَحُرُوفُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا أَسْمَاءٌ وَبَعْضَهَا حُرُوفٌ فَالْأَسْمَاءُ مِثْلَ كُلٌّ وَإِذَا وَلِهَذَا يَدْخُلُهُمَا التَّنْوِينُ فَيُقَالُ كُلٌّ وَإِذًا وَالتَّنْوِينُ عَلَامَةُ الِاسْمِيَّةِ، وَكَذَا مَتَى اسْمٌ لِلْوَقْتِ الْمُبْهَمِ وَالْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ الْحُرُوفَ وَالْأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَفْظٌ فَلِهَذَا قَالَ وَأَلْفَاظُ لِيَشْمَلَ الْحُرُوفَ وَالْأَسْمَاءَ وَإِنَّمَا بَدَأَ بِإِنْ؛ لِأَنَّهَا صَرْفٌ لِلشَّرْطِ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْوَقْتِ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا وَإِذَا تَصْلُحُ لِلْوَقْتِ وَالشَّرْطِ فَيُجَازَى بِهَا تَارَةً وَلَا يُجَازَى بِهَا تَارَةً وَمَتَى اسْمٌ لِلْوَقْتِ الْمُبْهَمِ وَلَزِمَ فِي بَابِ الْمُجَازَاةِ مِثْلَ إنْ لَكِنْ مَعَ قِيَامِ الْوَقْتِ وَكُلٌّ لِلْإِحَاطَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ وَهِيَ تَعُمُّ الْأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّهَا تَلَازُمُهَا فَإِذَا وُصِلَتْ بِمَا أَوْجَبَتْ عُمُومَ الْأَفْعَالِ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ هَذِهِ شُرُوطًا؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تَلِيهَا وَالشَّرْطُ إنَّمَا جُعِلَ شَرْطًا لِلْفِعْلِ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَلِيهَا الِاسْمُ دُونَ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهَا جُعِلَتْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَهَا تَعُودُ عَلَى الْأَسْمَاءِ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا كُلٌّ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ مِثْلَ كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ.
قَوْلُهُ (وَكُلُّ هَذِهِ الشُّرُوطِ إذَا وُجِدَتْ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ) أَيْ انْتَهَتْ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ فَبِوُجُودِ الشَّرْطِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ وَلَا بَقَاءَ لِلْيَمِينِ بِدُونِهِ قَوْلُهُ (إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ حَتَّى يَقَعَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ)؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْأَفْعَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} وَ {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} فَكَرَّرَتْ النُّضْجَ وَإِرَادَةَ الْخُرُوجِ وَذَلِكَ أَفْعَالٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) أَيْ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ تَطْلُقُ لَنَا أَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْقَضَى وَالتَّطْلِيقَاتُ الَّتِي اسْتَأْنَفَهَا فِي الثَّانِي لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْيَمِينِ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا وَلَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّمَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ بِالتَّزْوِيجِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَحْصُورٍ بَيَانُهُ إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ كُلَّمَا تَزَوَّجَهَا أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا تَكْرَارُ الْفِعْلِ وَقَدْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى تَزَوُّجِهَا فَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ قَوْلَهُ كُلَّمَا دَخَلَتْ الدَّارَ وَكُلَّمَا كَلَّمْت فُلَانًا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ فَإِذَا زَالَ طَلَاقُ ذَلِكَ الْمِلْكِ لَمْ يَنْصَرِفْ التَّكْرَارُ إلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ.
قَوْلُهُ (وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَانْحَلَّتْ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَتْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْحَلَّتْ وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَكَانَ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا زَوَالُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ لَا زَوَالُ الْحِلِّ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَدَخَلَتْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ وَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَطْلُقُ مَا بَقِيَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَصْلُهُ أَنَّ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَهُمَا فَتَعُودُ إلَيْهِ بِالثَّلَاثِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَهْدِمُ فَتَعُودُ بِمَا بَقِيَ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ وَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحٍ أَنْ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ أَنْ الْمَفْتُوحَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْمَاضِيَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّك دَخَلْت الدَّارَ، وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ يَقَعُ فِي الْحَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَاضِيَ وَحُرُوفُ الشَّرْطِ مَا وَقَعَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّهَا طَالِقٌ بِالدُّخُولِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت أَوْ لَمْ تَدْخُلِي وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ كَانَتْ طَالِقًا السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أُخْرَى وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ طَلَاقَهَا مُعَلَّقًا بِدُخُولِ الدَّارِ لَوْ وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ أَيْضًا، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَدْخُلَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ السَّاعَةَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ)؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ عَلَيْهِ وَتَدْخُلُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَهِيَ تَدَّعِي عَلَيْهِ زَوَالَهُ بِالْحِنْثِ فِي شَرْطٍ يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ قَدْ حِضْت طَلُقَتْ)؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إذْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الْحَيْضِ إذَا أَخْبَرَتْ وَشَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَاقٍ أَمَّا إذَا أَخْبَرَتْ بَعْدَ فَوَاتِهِ لَا يُقْبَلُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ حِضْت وَطَهُرْت لَا يُقْبَلُ وَإِذَا قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ حِضْت يُقْبَلُ قَوْلُهَا مَا لَمْ تَرَ حَيْضَةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ وُجُودُ الطُّهْرِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا مَا بَقِيَ الطُّهْرُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ حِضْت وَطَهُرْت ثُمَّ الْآنَ أَنَا حَائِضٌ أَوْ طَهُرْت مِنْهَا لَا يُقْبَلُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَالَ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مَعَك فَقَالَتْ حِضْت طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ)؛ لِأَنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا وَهِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ حَضْرَتِهَا وَهَذَا إذَا كَذَّبَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا خَاصَّةً أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا وَقَعَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُ الْحَيْضِ مِنْهَا أَمَّا إذَا عُلِمَ طَلُقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَمْ يُعْلَمْ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي أَوْ تَبْغُضِينِي فَأَنْتَ طَالِقٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْبُغْضَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِالنَّارِ أَوْ إنْ كُنْت تَبْغُضِينَ الْجَنَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّ أَنْ يُعَذِّبَنِي اللَّهُ بِالنَّارِ أَوْ أَبْغَضُ الْجَنَّةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَالْجَوَابُ فِي هَذَا عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِلَفْظِهَا فَوَقَفَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا إنْ قُلْت أَنَا أُحِبُّ أَنْ يُعَذِّبَنِي اللَّهُ بِالنَّارِ أَوْ أَبْغَضُ الْجَنَّةَ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِالنَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ أَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ مَعَك فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّك طَلُقَتْ وَلَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَلَمْ تَطْلُقْ صَاحِبَتُهَا وَإِنْ قَالَ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ قَدْ وَلَدْت لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يُصَدِّقْهَا أَوْ يَشْهَدُ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ.
وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ دَخَلْت أَوْ كَلَّمْت لَمْ تَطْلُقْ مَا لَمْ يُصَدِّقْهَا أَوْ يَشْهَدْ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَقَالَتَا جَمِيعًا حِضْنَا إنْ صَدَّقَهُمَا طَلُقَتَا جَمِيعًا وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لَمْ يُطَلَّقَا وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَلَمْ تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ لِوُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ فِي الْمُكَذَّبَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إذَا عَلِقَتْ بِشَرْطَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا وَهُنَا قَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَيْضِهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا قَالَتَا حِضْنَا فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مُخَبِّرَةٌ عَنْ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ عَلَى غَيْرِهَا وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ عَلَى نَفْسِهَا مُكَذِّبَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَإِذَا صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وُجِدَ الشَّرْطَانِ فِي حَقِّ الْمُكَذَّبَةِ، وَهُوَ إخْبَارُهَا عَنْ نَفْسِهَا أَنَّهَا حَاضَتْ وَتَصْدِيقُهُ لِصَاحِبَتِهَا بِحَيْضِهَا فَلِهَذَا طَلُقَتْ وَأَمَّا الْمُصَدَّقَةُ فَوُجِدَ فِيهَا أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ، وَهُوَ إخْبَارُهَا عَنْ نَفْسِهَا وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الْآخَرُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبَتِهَا؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُصَدَّقَةٍ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلِهَذَا لَمْ تَطْلُقْ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لَهَا إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)؛ لِأَنَّ مَا يَنْقَطِعُ دُونَهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا قَوْلُهُ (فَإِذَا تَمَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَكَمْنَا بِالطَّلَاقِ مِنْ حِينِ حَاضَتْ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ بِدْعِيٌّ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِذَلِكَ كَانَ فِي الثَّلَاثِ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَحْرَارِ وَلَوْ خَالَعَهَا فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الْخُلْعُ لِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ صَحَّ التَّزْوِيجُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لَهَا إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا)؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْهَاءِ هِيَ الْكَامِلُ مِنْهَا وَكَمَالُهَا بِانْتِهَائِهَا وَذَلِكَ بِالطُّهْرِ ثُمَّ إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِطَهَارَتِهَا بِالِانْقِطَاعِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلٍ لِجَوَازِ أَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ فِي الْمُدَّةِ فَتَكُونَ حَائِضًا وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشْرَةً وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِمُضِيِّهَا وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَقَوْلُهُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا فَائِدَتُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ سُنِّيٌّ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِذَلِكَ كَانَ فِي الثَّلَاثِ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبِيدِ وَإِنْ خَالَعَهَا صَحَّ الْخُلْعُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَإِنْ قَالَ إنْ حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، وَكَذَا إذَا قَالَ ثُلُثَ حَيْضَةٍ أَوْ سُدُسَ حَيْضَةٍ وَإِذَا قَالَ إذَا حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا حِضْت نِصْفَهَا الْآخَرَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَحِضْ وَتَطْهُرْ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ وَقَعَ طَلْقَتَانِ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك أَوْ مَعَ حَيْضِك فَحِينَ مَا رَأَتْ الدَّمَ تَطْلُقُ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمِرَّ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ فِي حَيْضَتِك أَوْ مَعَ حَيْضَتِك فَمَا لَمْ تَحِضْ وَتَطْهُرْ لَا تَطْلُقُ وَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنْ الْعِدَّةِ وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ حَائِضٌ إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ، وَهُوَ مَرِيضٌ إذَا مَرِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا عَلَى حَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ وَمَرَضٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِنْ قَالَ عَنَيْت مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذَا الْحَيْضِ أَوْ مَا يَزِيدُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ فَهُوَ كَمَا نَوَى؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ ذُو أَجْزَاءٍ فَيَحْدُثُ حَالًا فَحَالًا.
وَكَذَا الْمَرَضُ فَإِذَا نَوَى جُزْءًا حَادِثًا مِنْ ذَلِكَ صُدِّقَ، وَكَذَا صَاحِبُ الرُّعَافِ إذَا قَالَ إنْ رَعَفْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى هَذَا، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلْحُبْلَى إذَا حَبِلْتِ فَهُوَ عَلَى حَبَلٍ مُسْتَقْبَلٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا نَوَى الْحَبَلَ الَّذِي هِيَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَجْزَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا صُمْت يَوْمًا طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَصُومُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا صُمْتُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بِرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أَوَّلًا لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ طَلْقَةً وَفِي التَّنَزُّهِ ثِنْتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِذًا فِي حَالٍ يَقَعُ وَاحِدَةً وَفِي حَالٍ اثْنَتَانِ فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِالشَّكِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِالثِّنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ فَيَكُونُ وَلَدًا حَقِيقَةً وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ، وَهُوَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ.
قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِدَّةَ عِنْدَنَا مُعْتَبَرَانِ بِالنِّسَاءِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ وَتَفْسِيرُهُ حُرَّةٌ تَحْتَ عَبْدٍ طَلَاقُهَا ثَلَاثٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ ثِنْتَانِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أَمَةٌ تَحْتَ حُرٍّ طَلَاقُهَا ثِنْتَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ ثَلَاثٌ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَتَانِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ فَطَلَاقُهَا ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عِدَّةَ الْمَنْكُوحَةِ مُعْتَبَرَةٌ بِالرِّجَالِ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ حُرًّا يَمْلِكُ أَرْبَعًا مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا يَمْلِكُ اثْنَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ عَلَيْهَا)؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا تَفْسِيرٌ وَصِفَةٌ وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ إيقَاعٍ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ كَلَامٌ وَاحِدٌ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَرَّقَ الطَّلَاقَ بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ)؛ لِأَنَّهَا لَمَّا بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا صَادَفَتْهَا الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلِهَذَا لَمْ تَقَعْ وَسَوَاءٌ كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِحَرْفِ عَطْفٍ أَوْ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ فَإِنَّهُ تَقَعُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْكَلَامِ شَرْطٌ وَهَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ فَطَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا إيقَاعٌ عَلَى حِدَةٍ فَتَقَعُ الْأُولَى فِي الْحَالِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ)؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ الْوَصْفَ بِالْعَدَدِ فَكَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدُ فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَاتَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَبَطَلَ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ) وَكَذَا إذَا قَالَ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَلْفُوظَ بِهِ أَوَّلًا إنْ كَانَ مُوقَعًا أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَلْفُوظُ بِهِ مُوقَعًا آخَرَ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا مُوقَعٌ أَوَّلًا فَتَقَعُ الْأُولَى وَتُصَادِفُهَا الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ وَكَذَا وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا مُوقَعٌ أَوَّلًا فَتَقَعُ الْأُولَى لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً وَأَخْبَرَ أَنَّ بَعْدَهَا أُخْرَى وَقَدْ بَانَتْ بِهَذِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ)؛ لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ بِهِ أَوَّلًا مُوقَعٌ آخَرَ فَوَقَعَتَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْوَاحِدَةَ وَأَخْبَرَ أَنَّ قَبْلَهَا وَاحِدَةً قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ)، وَكَذَا إذَا قَالَ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ مَعَ لِلْمُقَارَنَةِ فَكَأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَوَقَعَتَا وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى وَإِنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ أَوْ وَاحِدَةً وَثَلَاثِينَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا إلَّا هَكَذَا جُمْلَةً وَاحِدَةً كَقَوْلِهِ أَحَدَ عَشْرَ طَلْقَةً.
وَقَالَ زُفَرُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً كَذَا هَذَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مَعْطُوفٍ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً وَعَشْرًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً وَنِصْفًا وَقَعَتْ ثِنْتَانِ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهَا جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ قَالَ نِصْفًا وَوَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يُرِيدُ بِهِ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ وَأَمَّا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ يَقَعُ ثِنْتَانِ إجْمَاعًا ثُمَّ إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَكَرَّرَ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثَلَاثٌ وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ وَكَرَّرَ الثَّلَاثَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي مَنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً فِي الْحَالِ وَيَبْطُلُ مَا بَعْدَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ بِخِلَافِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا لِلْجَمْعِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَيَقَعَ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَقَعَتْ الْأُولَى لِلْحَالِ وَسَقَطَ مَا بَعْدَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَيَقَعَ الثَّلَاثُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَتَعَلَّقَتْ الثَّانِيَةُ لِكَوْنِهَا فِي الْعِدَّةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَكَّةَ طَلُقَتْ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ)، وَكَذَا إذَا قَالَ بِمَكَّةَ وَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَهَا بِالطَّلَاقِ فِي مَكَّةَ وَمَتَى طَلُقَتْ فِيهَا طَلُقَتْ فِي كُلِّ الْبِلَادِ.
قَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ) يَعْنِي أَنَّهَا تَطْلُقُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا فِي الْحَالِ فَإِنْ قِيلَ إذَا عُرِفَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِمَكَّةَ عُرِفَ أَيْضًا عَدَمُهُ بِالدَّارِ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ الدَّارِ قُلْنَا إنَّمَا ذَكَرَ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يَخْتَصَّ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْأَمَاكِنِ فَإِذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً فِيهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةً فِي سَائِرِ الْأَمَاكِنِ فَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الدَّارِ لِيُعْلِمَ أَنَّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ بِالْمَكَانِ لَا بِاعْتِبَارِ شَرَفِ مَكَّةَ وَأَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ذَهَابِك إلَى مَكَّةَ فَهُوَ عَلَى الذَّهَابِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي عَلَى فِعْلٍ فَصَارَ شَرْطًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الشَّمْسِ وَهِيَ فِي الظِّلِّ كَانَتْ طَالِقًا مَكَانَهَا؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ لَيْسَتْ بِفِعْلٍ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي مَكَانِ الشَّمْسِ وَالْمُطَلَّقَةُ فِي مَكَان الْمُطَلَّقَةُ فِي كُلِّ مَكَان وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ حِينَ تَكَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَيَّامَ ظَرْفًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا ظَرْفًا لِلْإِيقَاعِ فَصَارَ الظَّرْفُ جُزْءًا مِنْهَا وَقَدْ وُجِدَ عَقِيبَ كَلَامِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلْتِ مَكَّةَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ مَكَّةَ)؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطِ الدُّخُولِ، وَهُوَ فِعْلٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَلَمْ تَطْلُقْ دُونَ وُجُودِهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ)؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَذَلِكَ بِوُقُوعِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ فَإِنْ نَوَى بِهِ آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ وَنِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ صَحِيحَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا إذَا قَالَ لَا آكُلُ طَعَامًا، وَهُوَ يَنْوِي طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ الَّذِي تَفَوَّهَ بِهِ فَيَقَعُ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ الْيَوْمَ كَانَ تَنْجِيزًا وَالْمُنَجَّزُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَإِذَا قَالَ غَدًا كَانَ إضَافَةً وَالْمُضَافُ لَا يَتَجَزَّأُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْإِضَافَةِ فَلَغَا الشَّرْطَ فِي اللَّفْظَيْنِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا طَلُقَتْ الْيَوْمَ طَلْقَةً فِي الْحَالِ وَلَا تَطْلُقُ أُخْرَى فِي غَدٍ؛ لِأَنَّ بِوُقُوعِ هَذِهِ الطَّلْقَةِ الْيَوْمَ تَتَّصِفُ بِهَا الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ الْيَوْمَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي غَدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ غَدًا وَبِالطَّلَاقِ الَّذِي يَقَعُ فِي غَدٍ لَا تَكُونُ مَوْصُوفَةً بِهِ الْيَوْمَ فَلَغَا.
قَوْلَهُ الْيَوْمَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلَهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا بِالْوَاوِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً وَلَا تَطْلُقُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ وَقَدْ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي الْوَقْتَيْنِ وَهِيَ بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى تَتَّصِفُ بِالطَّلَاقِ فِي الْوَقْتَيْنِ وَإِنْ قَالَ غَدًا وَالْيَوْمَ تَطْلُقُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى.
وَقَالَ زُفَرُ لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْتُ بِهِ آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَعِنْدَهُمَا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَعَلَ الْغَدَ ظَرْفًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ وَكَوْنُهُ ظَرْفًا لَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا مُطَلَّقَةً فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ لَا تَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت صُمْت فِي شَعْبَانَ لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ صَائِمًا فِي جَمِيعِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَدًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِيعَابُ حَيْثُ وَصَفَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُضَافًا إلَى جَمِيعِ الْغَدِ أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت صُمْت شَعْبَانَ اقْتَضَى صَوْمَ جَمِيعِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ غَدًا وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ أَمْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ وَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حُرًّا أَمْسِ يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقَهُ الْيَوْمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرُّ الْأَصْلِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ كَوْنِهَا طَالِقًا أَمْسِ لَا يَحْرُمُ نِكَاحَهَا الْيَوْمَ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلَ أَمْسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ السَّاعَةَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى حَالِ مِلْكِهِ.
وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَقَدُّمُ الطَّلَاقِ عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا طَلُقَتْ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ، وَهُوَ فِيهَا دُونَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا هِيَ الْمَمْنُوعَةُ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجُ وَالزَّوْجُ يَنْطَلِقُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ التَّزْوِيجِ بِثَلَاثٍ سِوَاهَا وَيَسْتَمْتِعُ بِإِمَائِهِ وَإِنْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ عَلَيْكِ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ، وَكَذَا التَّحْرِيمُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَصَحَّتْ إضَافَتُهَا إلَيْهِمَا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ كَلِمَةِ أَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ وَبَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَلَا يَدْرِي أَطَلَّقَهَا أَمْ لَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهَا وَكَانَ عَلَى يَقِينِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ يَقِينًا.
وَإِذَا ضَمَّ إلَى امْرَأَتِهِ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ مِثْلَ الْحَجَرِ وَالْبَهِيمَةِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا مَنْ يُوصَفُ بِالطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ طَلَاقَهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا رَجُلًا فَقَالَ أَحَدُكُمَا طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِحُّ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ بِحَالٍ كَالْبَهِيمَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوصَفُ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تُسَمَّى طَلَاقًا، وَهُوَ يُوصَفُ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَمَيِّتَةٍ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ تُوصَفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ مَوْتِهَا وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ طَلُقَتْ وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا الْحِمَارُ حُرٌّ عَتَقَ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي نَفْسَك يَنْوِي بِذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ) وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تَقُمْ مِنْهُ أَوْ تَأْخُذُ فِي عَمَلٍ آخَرَ، وَكَذَا إذَا قَامَ هُوَ مِنْ الْمَجْلِسِ فَالْأَمْرُ فِي يَدِهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَنْهَاهَا عَمَّا جَعَلَ إلَيْهَا وَلَا يَفْسَخُ قَوْلَهُ (فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا) يَعْنِي إذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا قَامَتْ صَارَتْ مُعَرَّضَةً، وَكَذَا إذَا اُشْتُغِلَتْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ كَمَا إذَا دَعَتْ بِطَعَامٍ لِتَأْكُلَهُ أَوْ نَامَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ اخْتَضَبَتْ أَوْ جَامَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ خَاطَبَتْ رَجُلًا بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ خِيَارَهَا وَإِنْ أَكَلَتْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ شَرِبَتْ جَرْعَةً أَوْ جَرْعَتَيْنِ أَوْ نَامَتْ قَاعِدَةً أَوْ لَبِسَتْ ثِيَابًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ أَوْ فَعَلَتْ فِعْلًا قَلِيلًا وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ بِالِاخْتِيَارِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَكَذَا لَوْ قَالَتْ اُدْعُوَا لِي شُهُودًا أُشْهِدُهُمْ عَلَى اخْتِيَارِي أَوْ اُدْعُوَا لِي أَبِي أَسْتَشِيرُهُ أَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالثَّانِيَةُ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَقَامَتْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا.
وَكَذَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَرَكِبَتْ؛ لِأَنَّ هَذَا إعْرَاضٌ وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ رَاكِبَةٌ فَإِنْ سَارَتْ الدَّابَّةُ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مِنْ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى إيقَافِهَا، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهَا وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ فَسَارَتْ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ بَطَلَ خِيَارُهَا وَإِنْ أَوْقَفَتْهَا فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ فِي السَّفِينَةِ فَسَارَتْ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى إيقَافِهَا وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْتِ فَكُلُّ مَا أَبْطَلَ خِيَارُهَا فِي الْبَيْتِ أَبْطَلَهُ فِيهَا وَمَا لَا فَلَا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَعَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ كَانَا فِي مَحْمِلٍ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ ابْتَدَأَتْ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَ خِيَارُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَأَتَمَّتْهَا إنْ كَانَتْ فَرِيضَةً أَوْ وِتْرًا فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا إنْ سَلَّمَتْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِمَا بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي التَّطَوُّعِ كَالدُّخُولِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَتْ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ الْأُولَى لَمْ يُبْطِلْ خِيَارُهَا بِانْتِقَالِهَا إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي، وَكَذَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ وَعَلَى هَذَا الشُّفْعَةُ وَإِنْ سَبَّحَتْ أَوْ قَرَأَتْ شَيْئًا يَسِيرًا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا وَإِنْ طَالَ بَطَلَ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك كَمَا شِئْتِ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي كُلِّ مَجْلِسٍ وَاحِدَةً حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ إلَّا أَنَّهَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا فِي كُلِّ مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَإِذَا اسْتَوْفَتْ ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَا خِيَارَ لَهَا ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَكَذَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك فَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت فَلَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ أَنْ تَخْتَارَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ إذَا وَمَتَى يُفِيدَانِ الْوَقْتَ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَا اخْتَارِي أَيَّ وَقْتٍ شِئْت فَإِنْ اخْتَارَتْ فِي الْمَجْلِسِ زَوْجَهَا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي كُلَّمَا وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي نَفْسَك كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً) وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ قَوْلُهُ (وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ ثَلَاثًا إذَا نَوَى ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا) حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ فَهَذَا كُلُّهُ دَلَالَةٌ عَلَى الطَّلَاقِ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت زَوْجِي لَا بَلْ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت زَوْجِي وَنَفْسِي لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَإِنْ قَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدَ وَعْدٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ.
وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا يَقَعُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ أَبَنْت نَفْسِي أَوْ حَرَّمْت نَفْسِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي كَانَ جَوَابًا وَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ أَبَنْت نَفْسِي أَوْ حَرَّمْت نَفْسِي كَانَ جَوَابًا وَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا يَكُونُ جَوَابًا وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك وَنَوَى الثَّلَاثَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا أَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهَا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا أَبَنْتُكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ أَجَزْت ذَلِكَ بَانَتْ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ.
وَلَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ابْتِدَاءً اخْتَرْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ طَلَاقًا إذَا حَصَّلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ وَقَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَك لَيْسَ بِتَخْيِيرٍ فَيَلْغُو وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِقَوْلِهَا أَبَنْتُ نَفْسِي؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ تُغَايِرُ الطَّلَاقَ وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ فَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي ضَرَّتَك؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَيُقْبَلُ الرُّجُوعُ قَوْلُهُ (مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ مُؤَقَّتًا أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا سَوَاءٌ أَعْرَضَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ اُشْتُغِلَتْ بِعَمَلٍ آخَرَ أَوْ لَمْ تُعْرِضْ فَهُوَ سَوَاءٌ وَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُؤَقَّتِ وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي الْيَوْمَ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ فَلَهَا الْخِيَارُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ لَا غَيْرُ وَإِنْ قَالَ يَوْمًا فَهُوَ مِنْ سَاعَةِ تَكَلَّمَ إلَى مِثْلِهَا مِنْ الْغَدِ وَإِنْ قَالَ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا إلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالْخِيَارُ إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا يَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ سَوَاءٌ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ.
مِثَالُهُ إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُكِ بِيَدِكِ وَهِيَ تَسْمَعُ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فِي مَجْلِسِهَا فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً إنْ لَمْ يُؤَقِّتْ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا وَإِنْ وَقَّتَهُ بِوَقْتٍ فَبَلَغَهَا الْعِلْمُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ وَإِنْ مَضَى الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ ثُمَّ عَلِمَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ خَصَّ التَّفْوِيضَ بِزَمَانٍ فَيَبْطُلُ بِمُضِيِّهِ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِالْوَاوِ أَوْ بِالْفَاءِ أَوْ بِالْأَلِفِ فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مَرَّةً أَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ دُفْعَةً أَوْ بِدُفْعَةٍ أَوْ وَاحِدَةً أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتِيَارُهُ يَقَعُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت تَطْلِيقَةً أَوْ بِتَطْلِيقَةٍ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا وَاحِدَةً وَإِنَّمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِدَلَالَةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ إذْ الِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت اخْتِيَارَهُ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا لِلْمَرَّةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ)؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَصَرِيحُ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَائِنًا كَانَ رَجْعِيًّا قَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا)؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَقَلِّ مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ فَلِهَذَا يَعْمَلُ فِيهِ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الثَّلَاثِ عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَالَ الزَّوْجُ إنَّمَا أَرَدْت وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْتِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ)؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت وَلَهَا الْمَشِيئَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ إذَا وَمَتَى لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَإِذَا شَاءَتْ وُجِدَ شَرْطُ الطَّلَاقِ فَطَلُقَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا مَشِيئَةٌ حَتَّى لَوْ اسْتَرْجَعَهَا فَشَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تُؤَثِّرْ مَشِيئَتُهَا وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا شِئْت كَانَ ذَلِكَ لَهَا أَبَدًا حَتَّى يَقَعَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَكُلَّمَا شَاءَتْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ سَقَطَتْ مَشِيئَتُهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جُمْلَةً وَجَمْعًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت فَذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ " إنْ " لَا تَقْتَضِيَ الْوَقْتَ، وَكَذَا إنْ أَحْبَبْتِ أَوْ رَضِيَتْ أَوْ أَرَدْتِ كُلُّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ فَهُوَ مِثْلُ الْخِيَارِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ)؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ وَاسْتِعَانَةٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ طَلِّقِي نَفْسَك سَوَاءٌ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت أَوْ لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً) وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ وَعِنْدَ زُفَرَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ تَفْوِيضًا فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ النَّهْيَ عَنْهُ وَكُلُّ مَا كَانَ تَوْكِيلًا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَالنَّهْيَ عَنْهُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ سَوَاءٌ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت أَوْ لَا فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي وَقَرَنَهُ بِالْمَشِيئَةِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقْرُنْهُ بِالْمَشِيئَةِ كَانَ تَوْكِيلًا وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَمْلِكُ الْعَزْلَ عَنْهُ وَإِذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَصَاحِبَتَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ فِي حَقِّهَا وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ صَاحِبَتَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا وَإِنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ طَلِّقَا امْرَأَتِي إنْ شِئْتُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّفَرُّدُ بِالطَّلَاقِ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ طَلِّقَا امْرَأَتِي وَلَمْ يَقْرُنْهُ بِالْمَشِيئَةِ كَانَ تَوْكِيلًا وَكَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَتَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ضَرُورَةً وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَكَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيهَا فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً بَائِنَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَقَعَتْ بَائِنَةً اعْتِبَارًا لِأَمْرِ الزَّوْجِ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ وَهِيَ مَا شَاءَتْ الثَّلَاثَ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ لَيْسَ مَشِيئَةً لِلْوَاحِدَةِ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ مَشِيئَةٌ لِلْوَاحِدَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تَبْغُضِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّك أَوْ أَبْغَضُك وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا بِخِلَافِ مَا أَظْهَرَتْ) وَإِنْ قَالَ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّك وَهِيَ كَاذِبَةٌ طَلُقَتْ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ إذَا عَلِقَتْ بِالْقَلْبِ يُرَادُ بِهَا حَقِيقَةُ الْحُبِّ وَلَمْ يُوجَدْ وَهُمَا يَقِيسَانِهِ عَلَى الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا فَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ مِنْهُ)، وَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَمَعْنَاهُ إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ سُؤَالٍ مِنْهَا وَلَا رِضًا أَمَّا إذَا سَأَلَتْهُ ذَلِكَ فَطَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَالَعَهَا أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبَائِنَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْمِيرَاثَ فِي الْعِدَّةِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا أَوْ بِغَيْرِ سُؤَالِهَا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ مِنْهُ وَانْقَلَبَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَرِثَتْ مِنْ الزَّوْجِ، وَهُوَلَا يَرِثُ مِنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ وَقْتَ الطَّلَاقِ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَمَّا إذَا كَانَتْ وَقْتَ الطَّلَاقِ مَمْلُوكَةً أَوْ كِتَابِيَّةً ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَسْلَمَتْ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّ الْفِرَارَ لَمْ يُوجَدْ وَإِنْ قَالَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ طَلِّقْنِي لِلرَّجْعَةِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْهُ.
وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ الَّذِي تَرِثُهُ الْمُطَلَّقَةُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا مَرَضًا لَا يَعِيشُ مِنْهُ غَالِبًا وَيَخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكَ غَالِبًا بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ لَا يَجِيءُ وَلَا يَذْهَبُ إلَى أَنْ يَمُوتَ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ مُضْنًى لَا يَقُومُ إلَّا بِشِدَّةٍ، وَهُوَ فِي حَالٍ يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا أَمَّا إذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ، وَهُوَ يُحَمُّ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ وَإِنْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا فَطَلَّقَ حِينَئِذٍ وَرِثَتْ، وَكَذَا إذَا انْكَسَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ وَقَعَ فِي فَمِ سَبُعٍ فَطَلَّقَ ثَلَاثًا وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَرِثَتْ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ) سَوَاءٌ سَمِعَ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ إذَا كَانَ قَدْ حَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ.
وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ فَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إنْ كَانَ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ وَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْتِ طَالِقٌ بِالْوَاوِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ إجْمَاعًا كَذَا فِي شَرْحِهِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِذِكْرِ الْوَاوِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِنْ قَدَّمَ ذِكْرَ الطَّلَاقِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَثْنِيًا وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ إذَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ بِقَضَاءِ اللَّهِ أَوْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أَوْ بِمَا أَحَبَّ اللَّهُ أَوْ بِمَا أَرَادَ اللَّهُ فَهُوَ مِثْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ وَكَذَا إذَا عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا يَظْهَرُ لَنَا مَشِيئَتُهُ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ جِبْرِيلُ أَوْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْجِنُّ أَوْ إبْلِيسُ، وَكَذَا إذَا ضَمَّ مَعَ مَشِيئَةِ اللَّهِ مَشِيئَةَ غَيْرِهِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ زَيْدٌ فَشَاءَ زَيْدٌ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ وُقِفَ عَلَى مَشِيئَةِ زَيْدٍ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ شَاءَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَائِبًا وُقِفَ عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهِ وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ فَإِنْ شَاءَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَعَ وَإِنْ قَامَ بَطَلَ وَصُورَةُ مَشِيئَتِهِ أَنْ يَقُولَ شِئْت مَا جَعَلَهُ إلَى فُلَانٍ وَلَا يَشْتَرِطُ نِيَّةَ الطَّلَاقِ وَلَا ذِكْرَهُ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَدَدَ الثَّانِيَ لَغْوٌ لَا حُكْمَ لَهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَاللَّغْوُ حَشْوٌ فَيَفْصِلُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالِاسْتِثْنَاءِ كَالسُّكُوتِ وَلَهُمَا أَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ سِتًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ لَيْسَ بِلَغْوٍ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً) وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ وَاحِدَةٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ رُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ كُلَّ الْكَلَامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمُوصِي إذَا اسْتَثْنَى جَمِيعَ الْمُوصَى بِهِ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ وَلَوْ كَانَ رُجُوعًا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهَا جَائِزٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أَوَّلِ الْكَلَامِ مَوْقُوفٌ عَلَى آخِرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا ثَلَاثًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اسْتِثْنَاءُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ جَائِزٌ وَبَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الثَّالِثَةِ وَيَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ قَدْ صَحَّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ جَازَ فَإِذَا ذَكَرَ الثَّالِثَةَ فَقَدْ اسْتَثْنَى مَا لَا يَصِحُّ فَبَطَلَ وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ مَا سِوَاهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثًا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَصِحَّ.
وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ جُمْلَةٌ عَلَى حِيَالِهَا وَقَدْ اسْتَثْنَاهَا فَلَا يَصِحُّ وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ وَقَعَ اثْنَتَانِ وَجَعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ كُلِّ اثْنَتَيْنِ وَاحِدَةً.
وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى مَا يَلِيهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ وَمَتَى رَجَعَ إلَى مَا يَلِيهِ كَانَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ فَلَا يَصِحُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا قَالَ هِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وَهَذَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءَ جَمِيعِ الْجُمْلَةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ قَالَ هِيَ ثَلَاثٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّا إنْ رَدَدْنَا الِاسْتِثْنَاءَ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ أَبْطَلْنَاهُمَا وَإِنْ رَدَدْنَا بَعْضَهُ إلَى هَذِهِ وَبَعْضَهُ إلَى هَذِهِ أَبْطَلْنَاهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَقْسِمُهُ عَلَى قَدْرِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا بُطْلَانُ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ اسْتِثْنَاءٍ مِمَّا يَلِيهِ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْوَاحِدَةَ مِنْ الثَّلَاثِ بَقِيَ ثِنْتَانِ يَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الثَّلَاثِ فَيَبْقَى وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فَاسْتَثْنَى الْوَاحِدَةَ مِنْ اثْنَتَيْنِ يَبْقَى وَاحِدَةٌ يَسْتَثْنِيهَا مِنْ الثَّلَاثِ يَبْقَى ثِنْتَانِ يَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الثَّلَاثِ يَبْقَى وَاحِدَةٌ.
وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَدْخُلُ الِابْتِدَاءُ دُونَ الْغَايَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْخُلَانِ جَمِيعًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَدْخُلَانِ جَمِيعًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى أُخْرَى أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالِابْتِدَاءُ يَدْخُلُ وَالْغَايَةُ تَسْقُطُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَيَدْخُلَانِ جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَحْتَمِلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ يَعْنِي مِنْهَا إلَيْهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ فَلَا يَقَعُ أَكْثَرُ مِنْهَا.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الِابْتِدَاءَ وَالْغَايَةَ وَإِذَا سَقَطَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَ زُفَرَ أَيْضًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ حَدًّا وَمَحْدُودًا وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَلْغُو آخِرُ كَلَامِهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ قَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ مِنْ ثِنْتَيْنِ إلَى ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةٌ فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ.
وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثِنْتَانِ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي قَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَادْخُلِي فِي عِبَادِي أَيْ مَعَ عِبَادِي وَإِنْ نَوَى الظَّرْفَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ فَهِيَ ثِنْتَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعًا إلَّا أَنَّهُ لَا مَزِيدَ لِلطَّلَاقِ عَلَى ثَلَاثٍ قَوْلُهُ (وَإِذَا مَلَكَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهَا أَوْ مَلَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا) إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَأْذُونُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُكَاتَبُ كُلًّا مِنْهُمْ زَوْجَتَهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقًّا لَا مِلْكًا تَامًّا ثُمَّ إذَا مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا هَلْ يَمْلِكُ عَلَيْهَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُمَا لَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ يَعْنِي إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا لَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي، وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.